بئر الموت

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بعيدا عن كل مشاكل العالم نغوص فى بئر الموت حيث الظلام والرعب والصراخ فكر جيدا قبل دخولك الى هنا


    عدى النهار !!!

    عاشقة الحزن
    عاشقة الحزن
    حارس الظلام


    عدد المساهمات : 131
    نقاط : 200
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 31
    الموقع : http://honesty.yoo7.com/

    عدى النهار !!! Empty عدى النهار !!!

    مُساهمة  عاشقة الحزن السبت يوليو 04, 2009 12:39 am

    بدأت الحكاية عندما كنت أزور ابن عمى في شقته الجديدة بالقاهرة ..
    و ابن عمى -جمال- انتقل إلى هذه الشقة بعد أن فقد زوجته في حادث مروع منذ شهرين .. هو لم يحب زوجته أبدا ..أعلم ذلك .. وهو يعلم أنني أعلم .. لكنه لم يصرح بذلك ..
    وكان جمال بمثابة أخي الأكبر الذي ألجأ إليه دائما ..
    اتصلت به منذ أيام أخبرته بأنني أريد قطعة أرض زراعية أقيم عليها المزرعة السمكية التي أحلم بها ..
    منذ أن تخرجت من الكلية وأنا أحلم بهذا المشروع ولكن الحالة المادية لم تكن تسمح لذلك ..
    و حتى هذا الوقت فالحالة المادية لا تسمح ..
    لكن جمال أخبرني أننى من الممكن أن آخذ قرضا من البنك الذي يعمل به بضمان سيارتي و شقتنا بالزمالك التى أسكن بها أنا ووالدتى وأخوى الصغيرين ..
    لو كانت وافقت والدتي على أن نبيع الشقة وننتقل لشقة أخرى لحلت المشكلة ..
    لكنها رفضت بإصرار بحجة أن روح أبى مازالت تهيم بالشقة ..
    و أبى هو العقيد/ منتصر الشيمي وهذه الشقة تابعة لإسكان الضباط بالزمالك ..
    كان أبى مثالا للصحة والقوة والانضباط ..
    على الرغم من تدخينه المستمر إلا أنه لم يبد على صحته أي شيء ..
    ودون سابق إنذار اكتشفنا أن أبى مريض بالسرطان ..
    وظلت حالته تتدهور تدريجيا .. وتم حجزه في مستشفى القوات المسلحة بالمعادى حتى توفي ..
    كان هذا منذ أكثر من عامين .. "الله يرحمه " ..
    المهم .. أنني اليوم ذاهب لجمال بعد أن أتصل بي ليخبرني أنه وجد قطعة أرض تصلح تماما لهذا المشروع ...
    أحضرت حقيبة النقود التي أخفيتها داخل الدولاب حتى لا يراها أحد ..
    لو رأت والدتي هذه الأموال فستكون ليلة طويلة ..
    فأنا لم أخبرها بالقرض الذي أخذته ولا بالمشروع ..
    و سأقوم بتنفيذ المشروع بكل سرعة حتى أستطيع أن أرد القرض قبل أن تنتهي المدة ..
    و أول خطوة هي شراء قطعة الأرض التي سأقيم عليها المشروع ..
    ************
    كان جمال في المطبخ يحضر كوب من الشاي .. قلت له وأنا متوجه للمطبخ :
    - تعال يا جمال أنا لا أريد أن أشرب شيء ..
    رد وهو يصب الماء المغلي في الأكواب :
    - عيب يا محمد ..
    قلت وأن آخذ منه الصينية :
    - المهم عملت أيه في موضوع الأرض ..
    قال وهو يتبعني خارج المطبخ :
    - كل شيء تمام .. واتفقت مع صاحب الأرض أن نذهب إليه اليوم ..
    قلت وأنا أضع الصينية على المنضدة الصغيرة المواجهة لكرسي جمال :
    - لقد أحضرت النقود معي .
    قال جمال وهو يهز رأسه :
    - لا حول ولا قوة إلا بالله .. أنا قولتلك جبها ..
    وكأنني لا أفعل إلا ما يطلبه منى ولكنها الحقيقة .. فقلت متسائلا :
    - وفيها أيه ؟؟
    قال بلهجة خشنة نوعا تعودت عليها منه في حالة العصبية :
    - يا ابن الحلال أولا أنت لم ترَ قطعة الأرض حتى تقرر هل ستأخذها أم لا .. وثانياً نحن لم نتفق على السعر .. وثالثا نحن لن نسلم لهم المال إلا بعد كتابة العقد .. هل فهمت ؟؟
    قلت مغمغما :
    - فهمت .. ولكنك أيضا يا جمال لم تخبرني ..
    قال بنفس لهجته الشديدة :
    - وهل أنت صغير .. هل يجب أن أخبرك بكل شيء ..
    لم أجد ما أفعله أمام هذا التوبيخ فالتقطت كوب الشاي ورشفت منه رشفة حتى يداري احمرار وجهي .. ثم وجدت ما أقوله ..
    - وأين تقع قطعة الأرض هذه ..
    قال وهو يخرج ورقة من جيبه ثم ناولني إياها ..
    : في الغربية ..
    كان موجود بهذه الورقة بعض المعلومات عن قطعة الأرض .. مساحتها ،وحدودها ،وأشياء أخرى لم أفهمها..
    فلت قبل أن أفرغ من قراءة الورقة :
    - أين في الغربية ..
    نظر لي كأنه يتقزز من حالتي ثم قال:
    - على حدود الغربية و كفر الشيخ ..
    ثم أخرج جواله وأخرج رقما ما وآتى بتليفون المنزل ضغط عدة أرقام ثم وضع السماعة على أذنيه وددت أن أسأله سؤالا أخر لكنه نظر لي نظرة معناه ألا ترى أنني أتكلم في الهاتف أيها الغبي ..
    تأخر الرد قليلا ثم رفع صوته كلما تحدث في التليفون :
    - ألو... الحاج صلاح موجود .. قولي له جمال بك الشيمي ..
    دائما يطلق على نفسه "بك" ولا أعلم لماذا ؟؟
    صمت قليلا ثم رفع صوته مرة أخرى :
    - كيف حالك يا حاج صلاح .. الحمد لله .. على العموم سنكون عندك في المنزل بعد آذان العصر بقليل نعاين الأرض ثم نعود مرة أخرى .. لا الله يخليك يا حاج ..
    يبدو أن رده الأخير هذا كان بعد أن عرض عليه الحاج المبيت عنده ..
    ثم رفع جمال صوته مرة أخرى :
    - مع السلامة ..
    ثم نظر لي جمال وهو يقول :
    - هيا بنا حتى لا نتأخر .. فالطريق يأخذ ثلاث ساعات كاملة ..
    قالها ثم دلف إلى الداخل وارتدى بذلته.. وشعرت به يخرج من غرفته بسبب رائحة العطر القوية التي يضعه ..خرج إلى الخارج وهو يعدل من مسدسه الخاص الذي يضعه في جانبه .. ناولني المفتاح وهو يقول :
    - انتظرني في السيارة سأجرى تليفونا وأنزل لك حالا ..
    *********************
    كانت السيارة في مواجهة سلم العمارة .. ضغط على الزر في ريموت السيارة فأطلقت صفيرا صغيرا .. ثم توجهت للكرسي بجوار الموقد .. جلست في السيارة أنتظر جمال.. لم أجد ما أفعله ..
    فأخرجت جوالي وأخذت أعبث به قليلا ..
    لقد مللت.. نظرت نحو السلم .. وضعت الجوال أمامي على التابلوه..
    ولكنه انزلق على أرض السيارة ..
    نظرت أسفلي فلم أجده لابد أنه دخل تحت الكرسي ..
    تحسست بيدي أسفل الكرسي ..
    أصدمت يدي به ثم اصطدمت بشيء آخر يبدو أنه كيس بلاستيكي ..
    أخرجت الجوال ووضعته بجيبي ..
    ثم نظرت لتلك اللفافة الصغيرة ..
    اختلست النظر نحو السلم .. لم يظهر جمال ..
    فككت الكيس بسرعة .. كان بداخله قماشة بيضاء تلطخت بشيء أحمر لاشك أنه دماء ..
    نظرت نحو السلم ..
    بدأت أفتح اللفافة الصغيرة ..و أنا لا أستطيع أن أتوقع ما بداخلها .. شيء صلب هو مستطيل الشكل أصغر من حجم يدي ..
    ما هو ؟؟ .. صدقني حتى هذه اللحظة لا أعرف ..
    *************************
    فتحت اللفافة .. كان بها أخر شيء أتوقعه ..
    شريط كاسيت قديم وضع عليه ورقة وكتب عليها بخط رديء "عندما لا تستطيع كبح فضولك فلتواجه مخاوفك "
    من هذا الغبي الذي كتب هذه الكلمات .. كان من الأسهل أن يكتب "الفضول قتل القط " ..
    لكن الفضول يقتلني حقا ..
    اختلست نظرة نحو السلم ..
    ثم عدت للشريط ..
    وضعته بسرعة في فم المسجل..بعد أن خفضت درجة الصوت تماما ..
    صوت دوران الشريط ..
    قدمت الشريط قليلا ..
    صوت ضوضاء .. كأن أناس في قاعة ..
    قدمت الشريط قليلا ..
    صوت موسيقى ..
    لا شك أن هذه أحد حفلات الراديو القديمة ..
    نظرت نحو السلم كان جمال يهبط الدرجات بسرعة ..
    أخرجت الشريط من الكاسيت ووضعت واللفافة أسفل الكرسي ..
    وتفكيري كله يعمل محاولا تذكر هذه الموسيقى ..
    *******************
    جلس جمال خلف مقود سيارته ..
    كان جمال من ذلك النوع الذي لا يحب أحد أن يكلمه أثناء القيادة ..
    كان عقلي يعمل بسرعة ولكني لم أكن أريد أن يشعر جمال بما حدث .. فوضعت وجهي في الجريدة كأنني أقرأ .. .. أفكر قليلا ثم أنظر إلى الطريق ..
    ما زلنا بالقاهرة .
    أعود للجريدة مرة أخرى .. ثم أختلس نظرة على الطريق ..
    لقد بدأ العمران يقل ..
    أعود للجريدة مرة أخرى .. وعقلي يوشك أن ينفجر ..
    ثم أشعر بأن جمال أزاد السرعة بدرجة عالية وارتفع صوت أبواق السيارات .. فأعلم أننا على الطريق السريع دون أن أنظر ..
    عقلي يعمل .. أين سمعت هذه الموسيقى .. لكنى لا أستطيع التركيز بسبب هذه الاهتزازات ..
    كانت بسبب الطريق الغير ممهد الذي نسير عليه .. فأعلم أننا اقتربنا من تلك القرية .. ماذا كان اسمها ؟؟ لا يهم ..
    جمال ينظر يمنى ويسرة .. ثم يطلق سبة ..
    أوقف جمال السيارة ثم نزل منها ..
    أخرج جواله ثم ألقاه وهو يسبه .. فنزلت من السيارة وحاولت أن أتدخل لأعرف ماذا يحدث :
    - خير يا جمال .. فيه أيه ؟؟
    قال وهو ينفث الهواء كالتنين :
    - لا توجد شبكة ..
    قلت وقد بدت علامات التعجب على وجهي :
    - وماذا في ذلك ..
    نظر لي وعض على أسنانه وهو يقول :
    - ألم تفهم يا غبي .. لقد ضللنا الطريق .. ولا يوجد أحد نسأله .. أكاد أجن .. أين ذهب الناس ..
    نظرت للشمس فوجدتها مازالت في كبد السماء .. وطالما لم يأت موعد نومها بعد فما المشكلة ..
    ركبت السيارة وتركت جمال يدخن سيجارته بدون إزعاج منى .. بالأصح لكي أبرد النار التي تلتهم عقلي ..
    أخرجت الشريط ودسسته في الكاسيت ..بعد أن خفضت درجة الصوت تماما ..
    بدأ الشريط من المقطع الموسيقى ..موسيقى هادئة هي .. أذكرها لكنى لا أستطيع تمييزها ..
    نظرة نحو جمال ..
    قدمت الشريط بسرعة .. أصوات تصفيق ..
    لابد أنها أحد حفلات أم كلثوم أو عبد الحليم ..
    قدمت الشريط .. كان عبد الحليم بصوته الرائع :
    - عدى النهار .. والمغربية جاية .. تتخفى ورا .. ضهر الشجر ..
    جعلتنى كلماته أنظر للسماء وأنا أقول بكل نشوة :
    - الله عليك يا حُلم ..
    بينما صوت عبد الحليم يتابع :
    - وعشان نتوه في السكة .. شالت .. من ليااااالينا القمر ..
    أرتفع صوت التصفيق وسرت فى جسدي قشعريرة بعد هذا الكلام العذب ..
    - وبلدنا على الترعة بتغسل شعرها ...جاها نهار ما قدرش يدفع مهرها ..
    كنت مستمتع بالأغنية إلى أقصى حد فلم أنتبه إلى جمال إلا وهو يفتح باب السيارة ..
    جلس جمال خلف المقود وهم بقول شيء لكن صوت عبد الحليم قاطعه :
    - يا هل ترى الليل الحزين .. أبو النجوم الدبلانين ..
    وما أن سمع جمال صوت حليم حتى وأصبح كالمصعوق .. أخرج الشريط بسرعة ونظر إليه مشدوها للحظة .. كأنه يتأكد من شيء ..
    ثم نظر لي كالمصعوق وأمسكني من ثيابي وهو يصرخ :
    ما الذي فعلته بنا أيها الغبي ؟؟
    *********************************
    كان جمال يمسك بثيابي ويهزني بكل قوة :
    - ما الذي فعلته ؟؟ ما الذي فعلته ؟؟من أين جئت بهذا الشريط ؟؟
    - لقد وجدته أسفل الكرسي ؟؟
    خرج جمال من السيارة وهو يغمغم :
    كيف .. كيف ..
    ودفع الباب بقوة ... وخرج للخارج يركل الأرض بكل قوة ..
    ويصيح بكلمات لم أفهمها ..ثم أراح جسده على السيارة وأخرج سيجارة وأشعلها ..
    كل هذا وأنا جالس مشدوها مما حدث ..
    لماذا يفعل كل هذا ؟؟
    كل هذا من أجل الشريط ..
    ما الذي يخفيه جمال عنى ؟؟
    وما بقعة الدم الموجودة على قطعة القماش التي كانت تغلف الشريط ..
    خرجت من السيارة ودفعت الباب خلفي بقوة كما فعل جمال وصرخت به :
    - ما الذي تخفيه يا جمال ؟؟
    نظر لي نظرة لا مبالية ثم نفث دخان السيجارة .. فعدت أصيح به :
    - ماذا هناك يا جمال ؟؟
    نظر لي بجانب عينيه ثم قال بلهجة شملت كل معاني اللامبالاة :
    - لا شيء يا محمد ..
    ثم صرخ في وهو يقول :
    - لقد قضى علينا... هذا كل شيء ..
    *****************************
    عاشقة الحزن
    عاشقة الحزن
    حارس الظلام


    عدد المساهمات : 131
    نقاط : 200
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 31
    الموقع : http://honesty.yoo7.com/

    عدى النهار !!! Empty رد: عدى النهار !!!

    مُساهمة  عاشقة الحزن السبت يوليو 04, 2009 12:40 am

    توقفت لبرهة أستعيد ما قاله جمال ثم اقتربت منه وقلت متسائلا :
    - ما الذي تقصده يا جمال ؟؟
    نظر جمال للناحية الأخرى ولم يرد عليه ..
    صرخت به :
    - إن لم تخبرني ما الذي يحدث الآن ..
    توقفت .. ونظرت لجمال لأرى وقع كلماته عليه .. فأشار لي أن أصمت .. فصحت به :
    - أريد أن أعلم ما الذي يحدث الآن ؟؟
    قال جمال باستسلام سأخبرك ..
    **************************
    جلست أنا وجمال أسفل شجرة ضخمة على جانب الطريق .. كانت الشمس بدأت في التواري خلف الأشجار والبرد بدأ يتملك منى ..
    كان جمال يسرد لى حكاية هذا الشريط .. عندما قاطعته :
    - هل تقصد أن هذا الشريط كان لوالدي ..
    قال جمال بنفاذ صبر :
    - نعم .. لقد وجده والدك عندما كان بأحد المعسكرات في الصحراء الغربية .. أستيقظ من نومه فوجده أسفل وسادته ملفوف بنفس الطريقة .. وبعد يومين كان والدك في المستشفى بعد أن علم بإصابته بالسرطان ..
    صمت جمال قليلا .. فصحت به :
    - وماذا حدث بعد ذلك ؟؟
    - عندما ذهب والدي لزيارته .. أعطاه والدك لفافة وأخبره بأنها السبب في إصابته بالسرطان وأن عليه أن يتخلص منها ..
    وعندما ألح والدي ليعرف ما في اللفافة ... أخبره والدك بحكاية الشريط الملعون .. وأنه شعر بالمرض بعد أن سمع هذا الشريط ..
    قلت محتدا :
    - ما هذه التخاريف التي تقولها يا جمال ..
    قال وهو يشعل سيجارة أخرى :
    - تخاريف ؟؟ لقد أخطأت عندما حكيت لك ..
    قلت بهجة ملحة نوعا :
    - وماذا حدث بعد ذلك ؟؟
    قال وهو ينفث دخان سيجارته :
    - أخذ والدي اللفافة وقام بحرقها .. وفى اليوم التالي ..
    توقف ليأخذ نفسا من سيجارته .. فصحت به بعصبية :
    - ماذا حدث؟؟
    قال وهو يطرد الدخان خارج صدره :
    - في اليوم التالي وجد والدي لفافة بيضاء أسفل وسادته .. أظنك تعرف هذه اللفافة
    عاشقة الحزن
    عاشقة الحزن
    حارس الظلام


    عدد المساهمات : 131
    نقاط : 200
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 31
    الموقع : http://honesty.yoo7.com/

    عدى النهار !!! Empty رد: عدى النهار !!!

    مُساهمة  عاشقة الحزن السبت يوليو 04, 2009 12:42 am

    قلت بلهجة تبدي أنني ذكى :
    - لا شيء غريب في كل هذا يا جمال .. ربما كان مرض والدي مصادفة لا أكثر .. وربما أن والدك خيل إليه أنه حرق هذا الشريط مع أنه لم يحرقه .. ربما كان منوما ..
    قلتها وهززت رأسي محاولا أن أستوعب الكلام الذي قلته .. ثم صحت بلهجة منتصرة ..
    - هل تشعر بأي تعب في جسدك ..
    قال جمال وهو ينظر لي نظرة لا مبالية :
    - لا ..
    فصحت به :
    - ولا أنا ..
    فقال وقد بدت عليه العصبية :
    - وماذا في ذلك أيها الغبي ..
    - أنت قلت أن والدي شعر بالتعب بعد أن استمع للشريط مباشرة مع أنه لم يخبرني أبدا بحكاية هذا الشريط ..
    كنت أود أن أكمل كلامي لكن جمال قاطعني :
    - هل تعلم لماذا لم يخبرك والدك ؟؟ لأنه يعلم أنك غبي .. وستبحث عن هذا الشريط حتى تسمعه ..
    أردفت وكأنني لم أستمع لهذه الإهانة :
    - المهم أننا الآن لا نشعر بأي تعب .. وهذا دليل على أن هذا الشريط لا يسبب أي أذى ..
    قال جمال وكأنه يشرح الأمر لغبي :
    - أنت تقول هذا لأني لم أخبرك بقية الحكاية ..
    ***********************************
    - بعد أن وجد والدي اللفافة أسفل وسادته .. أشترى خزينة ووضعها بها ..
    ولم يجرأ أحد على أن يقترب من الخزينة طوال حياته.. ولكن والدي وهو على فراش المرض أخبرني بأن أتخلص من هذه الخزينة ولكنه لم يخبرني ما بداخلها ...
    وأخذت الخزينة إلى منزلي .. ولم أتخلص من أسئلة "رحاب" زوجتي حول هذه الخزينة .. ولكني لم أخبرها شيئا لأني لم أكن أعرف شيئا ..
    وفى اليوم التالي اتصلت بي رحاب وهى تقول بلهجة مرحة :
    - ها .. كل هذه الخزينة من أجل شريط أغاني ..
    - خزينة..؟! أي خزينة ..!!
    - الخزينة التي أخذتها من والدك ..
    صرخت بها :
    - كيف فتحتيها ..
    - لقد وجدتها مفتوحة .. ولكن ما هذا الشريط ؟؟
    - أي شريط أيتها المخبولة ؟؟
    قالت ويبدو أنها فهمت أنني فعلا لا أعرف شيئا عما يدور هنا :
    - لقد وجدت شريط أغاني داخل لفافة مقرفة .. إنه شريط لعبد الحليم ..
    تركتها تكمل كلامها ولم أستمع لأي حرف تقوله ..
    وتوجهت على الفور إلى والدي وسألته عن الشريط ..لامني كثيرا لأنني فتحت الخزينة وفى النهاية أخبرني بكل ما يعرفه ..
    وعندما عدت إلى منزلي كان هناك تجمهر أمام الباب .. حاولت أن أخترق هذا الجمع ..
    ورأيت المشهد الذي أحاول أن أنساه دائما :
    "رحاب" وقد تفحم كل جسدها ..
    نظرت نحوه آملا أن أرى دمعة واحدة تترقرق من عينيه.. ولكن لا شيء ..
    ********************************
    بالطبع كنت أعلم الجزء الخاص بالحريق الذي حدث في منزله وتوفيت زوجته على أثره .. لذلك لم يؤثر فيّ ..
    لكنها زوجته ، ومع ذلك فهو لم يتأثر ..
    بل ترك الشقة التي كان يقيم بها مع زوجته ، وانتقل إلى شقته الجديدة والتي أصر على أن لا يضع بها أي صورة لزوجته ..
    كان يريد أن ينساها ..
    أكمل جمال كلامه :
    - وبعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود أي شبهة جنائية .. استعديت لبيع المنزل بالأثاث الموجود فيه .. ولكني أخذت شيئا واحدا الشريط الموجود داخل الكاسيت ..
    قلت متسائلا :
    - وخبأته داخل السيارة ؟؟ يا لك من أحمق ..
    قال وهو يصيح :
    - أقسم لك أنني ألقيته في النيل .. ولا أعلم كيف وصل إلى هنا ..
    قلت له بلهجة مرتاحة :
    - على العموم لا يوجد شيء يخيف في الموضوع .. فلم يحدث لنا أي شيء حتى الآن ..
    قال وهو يصيح :
    - ألا تشعر بشئ غريب .. لقد ضللنا الطريق أولا .. وثانيا لا أحد فى الشوارع .. ولا توجد أية منازل في هذه الناحية ولم تمر سيارة علينا منذ أن توقفنا .. وتقول أنه لا يوجد شيء مخيف ..
    ثم استطرد وهو يصيح :
    - والدك الذي مرض بالسرطان .. وزوجتي التي عوقبت بأكثر شيء تخاف منه .. النار ..- بعد أن استمعا لذلك الشريط الملعون -.. ومازلت تسأل ما الذي يخيف ..
    كنت أود أن أقول شيئا لكنى آثرت الصمت .. خيم الصمت علينا .. ونحن جالسان أسفل تلك الشجرة العجوز ..
    وفى لحظة وجدت جمال يصيح وهو يشير إلى شيء بين الأشجار ..
    - هل رأيت هذا ؟؟
    نظرت إلى الموضع الذي يشير إليه جمال لكنى لم أرَ شيئا .. فقلت متسائلا ..
    - ماذا هناك يا جمال ..
    صاح فيّ :
    - ألم ترى لقد مرت شخص من بين الأشجار .. يبدو أن هذا ما سنواجه ..
    لكن من هذا الشخص ..
    *********************
    كان الظلام قد حل .. سماء سوداء بدون قمر .. جو شديد البرودة ..
    جعلني لا أشعر بأطرافي ، ويبدو أنني تجمدت تماما .. لكن عقلي بدأ يعمل متناسيا كل هذا ..وبدأت أراجع كلام جمال ..
    لقد قال جمال أن زوجته كانت تخاف النار وماتت محترقة بعد سماع الشريط ..
    صحت به :
    - هل تعلم يا جمال لقد كان والدي يخاف أن يموت بسبب المرض وتوفى بالسرطان .. أعتقد أن الجملة المكتوبة على الشريط تقول هذا ..
    "إن لم تستطع كبح فضولك فلتواجه كوابيسك"
    يبدو لي يا جمال أننا لابد أن نواجه الأشياء التي نخافها ..
    ثم باغته :
    - ما الشيء الذي تخاف منه يا جمال ؟؟
    تردد جمال ثم قال بسرعة ..
    - هيا بنا إلى السيارة ..
    انطلقت خلف جمال وركبنا السيارة .. وأنطلق جمال بأقصى سرعة على الأرض الزلقة نوعا ..
    فالتفتُ إليه :
    - هيا يا جمال لم تخبرني مما تخاف ..
    نظر لي ثم التفت إلى الطريق مرة أخرى وقال :
    - أخبرني أنت أولا .. من أي شيء تخاف يا محمد ..
    حقا من أي شيء أخاف .. لا أعلم .. أخذت أفكر وأن أنفث الهواء في يدي ليمدني قليلا بالدفء حتى أستطيع أن أفكر ..
    لكنى فعلا لا أعلم .. فالتفت إلى جمال وأنا أقول :
    - يبدو لي يا جمال أنني لا أخاف من شيء ..
    نظر لي جمال باستنكار ..
    - حقا أم أنك لا تريد أن تقول ..
    صحت به :
    - أقسم لك أنني لا أخاف من شيء ..
    نظر جمال للطريق كانت السماء قد بدأت تمطر فشغل المساحات وهو يقول :
    - هل تعلم مما أخاف ؟؟ ... أخاف أن تعود زوجتي وتعلم أنني كنت لا أحبها ..
    وتعلم أنني نزعت كل صورها .. وتركت منزلنا ..
    هل تعلم لم كنت أكرهها ..
    لأنها لم تكن تنجب ..

    نظرت له فوجدت عيناه وقد تغرغرت بالدموع وهو يكمل :
    - هل تعلم الشخص الذي قلت لك أنني شاهدته بين الأشجار .. إنني متأكد من أنها "رحاب" ..
    استمعت له وأسندت رأسي على الزجاج ثم صرخت :
    - أوقف السيارة يا جمال .. بسرعة ..
    ضغط جمال الفرامل بقوة فأصدرت صريرا قويا ..
    التفت جمال لي وهو يصيح :
    - ماذا هناك ؟؟
    أشرت له على جانب الطريق .. إنها نفس الشجرة التي كنا نجلس عندها منذ قليل ..
    ************************
    - يبدو لي أننا لا نتحرك يا جمال ..
    قلت هذه الجملة وقبل أن أكملها .. رفع جمال سرعة السيارة بطريقة جنونية .. وأخذ يردد:
    - لابد أن نخرج من هنا .. لابد ..
    وأسرع من سرعة السارة أكثر .. وأكثر ..
    ثم صاح :
    - هل ترى هذا الشخص الذي يقف في منتصف الطريق ..
    نظرت نحو الطريق ..
    - لا يوجد أحد يا جمال ..
    صرخ جمال :
    - إنها رحاب .. إنها رحاب ..
    تملكني الرعب بشدة ..
    أوقف جمال السيارة ونزل منها وتوجه إلى منتصف الطريق .. وهو يصرخ :
    - ماذا تريدين منى ؟؟
    يبدو لي أن جمال فقد عقله .. إنه يكلم نفسه ..
    تبعت جمال وأنا أصيح:
    - ماذا هناك يا جمال ..
    نظر نحوى وعيناه مليئة بالدموع ..
    - إنها رحاب .. ألا ترى ...؟!
    وقبل أن يكمل كلامه .. التوت رقبته بقسوة ..و سقط على الأرض ..
    جريت نحوه وأنا أرجوه أن يتكلم :
    - جمال .. جمال ..
    مسكت معصمه .. لا نبض ..
    لم أستطع أن أمنع نفسي من البكاء ..
    أخذت أتلفت حولي .. لقد كانت تلك الشجرة هناك على جانب الطريق ..
    ماذا فعلت ليحدث لي كل هذا ..
    ظلام ..
    ومطر ..
    وزمن لا يتحرك ..
    ووحيدا ..
    صرخ قلبي صرخة أنتفض لها صدري ..
    نظرت نحو جمال و صرخت به :
    - لماذا يا جمال .. لماذا تركتني ؟؟
    وقبل أن أكمل كلامي لمحت ذلك المسدس الذي وضعه جمال في جانبه ..
    الجنون يكاد يفتك برأسي ..
    أخرجت المسدس من جرابه ..
    ووضعته داخل فمي ..
    دقات قلبي تتسارع ..
    الآن تذكرت من أي شيء أخاف ..
    نعم لقد تذكرت ..
    طوال حياتي وأنا أخاف أن أموت كافرا ..
    و ضغطت على الزناد

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 6:30 pm