بئر الموت

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بعيدا عن كل مشاكل العالم نغوص فى بئر الموت حيث الظلام والرعب والصراخ فكر جيدا قبل دخولك الى هنا


    انهم يأتون ليلا..

    عاشقة الحزن
    عاشقة الحزن
    حارس الظلام


    عدد المساهمات : 131
    نقاط : 200
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 31
    الموقع : http://honesty.yoo7.com/

    انهم يأتون ليلا.. Empty انهم يأتون ليلا..

    مُساهمة  عاشقة الحزن السبت يوليو 04, 2009 12:50 am

    كلا.. لست مجنونًا.. أؤكد لك هذا..

    أعرف أن تفسير الجنون سهل دائمًا، ويريح جميع الأطراف.. دعك من أنه ما من مجنون يعتقد ذلك في نفسه، لكن لنفترض للحظة وجود رجل راجح العقل يعرف مُصيبًا أنه راجح العقل..

    إنها مسألة منطقية ذكرها فيلسوف ألماني اسمه (بوبر). كل ما لا يمكن نفيه لا يمكن إثباته.. عندما أقول إنني غير مجنون فأنت تقول لي إن كل مجنون يزعم ذلك. إذن أين الحقيقة العلمية؟.. ما الذي يمكن أن يقوله العاقل إذن؟ ماذا لو لم أكن مجنونًا؟

    لكن دعنا من هذه التعقيدات ولنتكلم عنهم..

    أعرف أن (هم) هذه تزيد الأمور تعقيدًا والطين بلة.. هذه نغمة البارانويا بلا زيادة أو نقصان. لكن لا سبيل للكلام عنهم من دون استعمال ضمير (هم).

    أنت تشك في عقلي أكثر مع كل دقيقة.. أعرف هذا.. أراه في عينيك.. هذه مشكلة حقيقية عندما نحاول إثبات أننا على ما يرام، فنرتبك ونقول كلامًا غير مترابط...

    أعيش وحدي.. هذا يجعل شكوكك ترقى إلى مرتبة اليقين..




    الحقيقة أنني لا أحب الوحدة.. لكن عندما تتجاوز سن الخامسة والثلاثين وأنت غير متزوج، فإن فكرة الزواج تزداد رهبة وإفزاعًا.. أن تقتطع نصف عالمك لتمنحه لامرأة غريبة.. هذا شيء مريع.. شيء مرعب..

    يمر يوم تلو الآخر.. وفي النهاية تجد أنك في الأربعين وأن فرصك قد قلت جدًا جدًا.. دعك من أنك اكتسبت عادات الذئب الوحيد، فلم تعد أية امرأة تتحمل أن تعيش في مكان واحد معك.

    الوحدة قاسية فعلاً... تأكل وحدك.. تلعب الشطرنج مع نفسك.. تبدي ملاحظات وتسخر منها.. وفي لحظة بعينها تدرك أنك كنت تكلم نفسك طيلة ربع الساعة الماضي.. هناك أيام تتشاجر فيها مع نفسك أو تسيء فهمها.. لكني برغم هذا أؤكد:
    لست مجنونًا..

    عندما تدخل الفراش ليلاً وتنظر إلى غرفة الجلوس الخالية، التي تركت فيها بعض المجلات الفنية ملقاة على البساط، وهناك جهاز كاسيت به شريط لأغاني (محمد منير). تدخل الفراش وترفع الغطاء حتى العنق وتراقب شاشة التلفزيون بعينين لا تريان تقريبًا.. ثم تنام تاركًا جهاز التوقيت يغلق التلفزيون بعد ساعة...

    عندما يحدث هذا، وعندما تنهض في الرابعة صباحًا بمثانة ممتلئة.. وعندما تتجه للحمام مارًا بغرفة الجلوس، وعندما تجد أن المجلات التي كانت متناثرة على البساط مجموعة في كومة واحدة، وأن الشريط لم يعد في جهاز الكاسيت، وأن هناك أعقاب سجائر في أكواب الشاي.. لاحظ أنك لا تدخن ولا تشرب الشاي.. وعندما تجد أن الغرفة تعبق بالتبغ..

    عندما يحدث هذا فأنا لا ألومك.. أنا نفسي فكرت في ذلك.. قلت لنفسي إنني أمشي أثناء النوم. هذه وليمة لأي طبيب نفسي يحدثك عن شخصيتي الأخرى المكبوتة التي تتحرر أثناء النوم.. هذا شيء محتم..

    لكن أي تحرر؟.. ما الذي يفعله هذا الآخر سوى شرب الشاي والتدخين؟.. هذا تحرر لا يحتاج لكل هذه الضوضاء..




    على كل حال قد جربت أن أراقب نفسي.. لقد وضعت مقاعد كثيرة ودلاء مليئة بالماء حول الفراش. هكذا أفيق لو ارتطمت بمقعد أو سكبت دلوًا.. والنتيجة؟

    نعم قلبت دلوًا وارتطمت بمقعد خلَّف كدمة في ساقي، لكن هذا حدث وأنا متجه للحمام.. وكانت غرفة الجلوس تحتفظ بذات الفوضى.. لقد حدث ما حدث قبل أن أصحو وليس بعده..

    هل فهمت المشكلة؟

    أضيف لهذا أن نفس الظاهرة تكررت عدة مرات.. ربما ثلاث مرات في الأسبوع.. أصابني الذعر طبعًا لكن ليس لدرجة أن أبيت في مكان آخر أو أبقى ساهرًا طيلة الليل.. هناك تفسير بسيط وسوف أعرفه..

    الآن يمكن القول بكل شجاعة إن هناك من يسهر في غرفة الجلوس في داري يدخن ويشرب الشاي، وهو لا يحب (محمد منير)، فإذا أضفنا لهذا أنني غير مجنون فماذا نستنتج؟

    حان وقت التجربة الإجبارية.. نسيت أن أخبرك أنني مدرس فيزياء وأن عقلي مرتب منظم ومنطقي سليم.. لهذا وضعت عدة خطوات..

    الاستيقاظ في وقت غير مناسب.

    تصوير ما يحدث خلسة..

    سوف أضبط المنبه على الساعة الثانية صباحًا.. سوف أنهض وأفاجئ هؤلاء المتسللين وأعرف من هم ومن أين جاءوا
    عاشقة الحزن
    عاشقة الحزن
    حارس الظلام


    عدد المساهمات : 131
    نقاط : 200
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 31
    الموقع : http://honesty.yoo7.com/

    انهم يأتون ليلا.. Empty رد: انهم يأتون ليلا..

    مُساهمة  عاشقة الحزن السبت يوليو 04, 2009 12:51 am

    دززززززززززززز!

    للمنبه صوت كهربائي غريب خافت لكنه يهز النخاع في العظام. هذه مزية مهمة، فهو يوقظك لكن أحدًا سواك لا يسمعه..

    هكذا نهضت بعقل مخدر مبلبل، وتناولت من على الكومود تلك المطرقة الثقيلة التي وضعتها جواري. الحقيقة أنني أضعها هناك منذ فترة.. ثم إنني نهضت ماشيًا على أطراف أصابعي نحو غرفة الجلوس. وقفت خلف الباب لحظة ثم... لحظة.. إن قلبي يوشك على التوقف..

    هوب!..



    لا يوجد أحد هنا.. الغرفة خالية. لكن النور مضاء والدخان في الجو.. هناك مطفأة وهناك لفافة تبغ لم تمت بعد.. ما زالت ساخنة.. لقد كانوا هنا..

    هرعت أبحث عنهم.. الشرفة مغلقة من الداخل.. لم يرحلوا منها.. رحت أفتش الشقة وأنا في قمة التوتر.. لا شيء..

    شيء ركض على قدمي، فهويت عليه بالمطرقة دون تفكير.. تعرف حالة الذعر هذه حينما يستعيد المرء انعكاسات الوحوش التي فقدها.. كنت سريعًا جدًا وقد فوجئت عندما وجدت أنني صرعت فأرًا.. فأرًا تسلل للشقة في ظروف غامضة وكان تعسَ الحظ فعلاً. في لحظاتي العادية لا يمكن أن أتمكَّن من اقتناص فأر.. دعك من أنني سأصرخ وأثب على مقعد، لكني الآن شخص آخر ولو برز لي إنسان لهشمت وجهه بنفس البساطة..

    أخيرًا دخلت إلى الحمام فغسلت يدي وساقي.. أنا وحدي في الشقة ولا شك في هذا. هؤلاء سمعوا صوت المنبه ففروا، ولكن كيف ما دام كل شيء مغلقًا من الداخل؟

    يعلم الله كيف نِمت..

    وفي الصباح اتخذت قراري: أنا مجنون أو على أقل تقدير لا يعمل عقلي كما يجب. كل شيء يقول إنني من يفعل هذا ليلاً..

    هناك تفسير آخر لا يروق لي هو أن هؤلاء جان أو شياطين أو عفاريت.. أي شيء من الكائنات الخارقة للطبيعة، لكن ما الذي تفيده من الإقامة في بيتي؟.. الأطباء النفسيون سيقولون إن الوحدة تجعلني أرى ضلالات..

    لمشعوذون سيقولون إن الوحدة تجلب الشياطين، خاصة لو كنت أتأمل نفسي في المرآة كثيرًا وأمضي وقتًا أطول من اللازم في الحمام..

    لا توجد حلول سوى أن أستجلب صديقًا أو زوجة ليعيش معي هنا.. أو أن أبيع الشقة وأنتقل لمكان آخر..

    على كل حال لم يبق سوى التصوير...

    هكذا قمت بتوصيل دائرة ممتازة.. هناك كاميرا فيديو موضوعة في الغرفة، وقد توارت تحت منشفة وثياب قديمة فلا تظهر منها سوى العدسة. في الواحدة صباحًا سوف أبدأ تشغيل كاميرا الفيديو وأنا في غرفتي.. الكاميرا تتصل بكابل AV طويل جدًا يبلغ غرفتي. هذا التلفزيون الصغير سيجعلني أتابع ما يحدث هناك.. ثم أُغلِق الكاميرا متى شئت..

    هكذا تناولت عشاء خفيفًا يعلم الله كيف تقبلته معدتي، ثم دخلت إلى الفراش في منتصف الليل.. رحت أطالع كتابًا صغيرًا وأنا لا أكف عن شرب القهوة.. هؤلاء استفادوا كثيرًا من ثقل جفوني وسهولة تسرب النعاس لوعيي. يجب أن أسهر...

    الواحدة صباحًا.. جالسًا في الفراش قمت بتشغيل الكاميرا ونظرت إلى شاشة التلفزيون الصغير على الكومود. ممتاز.. أرى الغرفة بشكل لا بأس به، وإن كانت بعض قطع الثياب تغطي الكادر من أعلى لكنها رؤية كافية..

    الغرفة خالية.. كل شيء كما تركته..

    جرس الهاتف يدق.. الهاتف في الصالة. اخرس يا أحمق.. لا أريد أن أجازف بالخروج وإفساد كل شيء.. الليلة أعرف إن كنت ضحية أم مجنونًا أم ممسوسًا.. اخرس..

    فجأة تجمد الدم في عروقي..



    هناك من رفع سماعة الهاتف ليرد…!

    إن هناك شخصًا بالصالة الآن.. لا أعرف ما يقول بالضبط لكنه يتكلم..

    ونظرت لشاشة التلفزيون..

    كلا.. رحماك يا رب!... لا أصدق ما أراه!.. لا أريد أن أصدق ما أراه
    عاشقة الحزن
    عاشقة الحزن
    حارس الظلام


    عدد المساهمات : 131
    نقاط : 200
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 31
    الموقع : http://honesty.yoo7.com/

    انهم يأتون ليلا.. Empty رد: انهم يأتون ليلا..

    مُساهمة  عاشقة الحزن السبت يوليو 04, 2009 12:52 am

    كليك.. كليك..

    فرغ رجل المختبر الجنائي من التقاط عدد من الصور.. بينما وقف المقدم (هاني) ينظر للجثة الممددة على الفراش.. برغمه لم يستطِع أن ينظر للوجه..

    اتجه نحوه صديقه (مصطفى) وناوله لفافة تبغ وأشعل واحدة لنفسه، ثم سأله:

    ـ "هل تشكّ في شيء؟"



    قال (هاني) وهو ينفث سحابة الدخان الكثيفة:

    ـ "لا يوجد ما يحمل على الشك في شيء.. الشقة مغلقة تمامًا من الداخل، لكن ذلك التعبير على وجهه.. هذا الرعب الذي لا يوصف.. هذا الهلع.. ما الذي رآه هذا الرجل؟"

    ـ "رأى الموت.. هذا مخيف كما ترى"

    ـ "أنا لست طفلاً.. لقد رأيت الكثيرين ممن رأوا الموت، لكن هذا الرعب لم يكن على وجه أحدهم.. رأيي أنه رأى شيئًا أثار هلعه وهكذا أصيب بنوبة قلبية ومات.. إن الطبيب الشرعي سيُؤكد هذا على كل حال أو ينفيه.."

    قال (مصطفى) في سخرية:

    ـ "التليفزيون كان مفتوحًا.. هل تعتقد أنهم يذيعون أفلامًا مرعبة لهذا الحد؟"

    قال (هاني) وهو يجلس على طرف الفراش:

    ـ "هناك كاميرا فيديو في غرفة الجلوس تتصل بهذه الشاشة.. لماذا فعل ذلك؟.. الفيلم المرعب الذي كان يراه كان في قاعة الجلوس.. وهو فيلم حقيقي لكننا لا نعرف ما فيه".

    ثم طوح بباقي اللفافة وأردف:

    ـ "هناك احتمال آخر.. هناك سلك عارٍ في هذا الجهاز يمكن أن يكون قد لمسه.. نفس ما يحدث للحمقى الذين يستعملون (السيشوار) في الحمام.."

    ـ "الجثة غير مكهربة.. لقد لمسناها.."

    ـ "إذن كيف مات؟!"

    ـ "أنت تضيّع وقتك.. النوبات القلبية تحدث للجميع وفي أية سن.. سمعت من طبيب أن النوبات القلبية تتزايد في ساعات الصباح الأولى.. هذا الرجل كان ساهرًا يُشاهد التليفزيون وفجأة.. الألم يتزايد.. إنه مذعور.. يحاول الصراخ.. ينهض.. ثم يسقط على الفراش ميتًا وعلى وجهه أعتى علامات الرعب.. هكذا نريح ونستريح".

    - "هناك مشكلة أخرى.. الآثار في غرفة الجلوس تدل على وجود عدة أشخاص.. هناك من كانوا معه ولعلهم رحلوا وتركوه وحده قبل أن يموت.. أغلق الباب خلفهم وعاد لفراشه.. لكن مَن هم؟.. ولماذا يُراقب غرفة خلت من قاطنيها؟"

    ابتسم (مصطفى) وألقى بلفافة تبغه بدوره، ثم تأكد من أن رجال المختبر أنهوا عملهم.. هنا دخل رجال الإسعاف بالمحفة..

    ـ "من المحزن أن ترى شخصًا بلا أقارب على الإطلاق.. ليست هناك زوجة باكية أو أم دامعة أو أخ ثائر أو.. أو.. لابد أن الناس تتزوج هروبًا من لحظة كهذه بالذات.."

    قالها (هاني) وألقى نظرة أخيرة على الشقة قبل أن يرحل..

    *****

    الجيران في البناية المقابلة هم الذين أخبروا البواب..

    إنها الثالثة صباحًا والطقس بارد.. لهذا لفّ البطانية حول عنقه ورأسه، واستغفر الله ثم خرج إلى الإفريز خارج البناية، لينظر لأعلى نحو الشقة.. كان الظلام دامسًا؛ لذا لم يكن من الصعب أن يعرف أن كلامهم صحيح، بالفعل الشقة مضاءة..



    لا توجد أخطاء.. هو لم ينسَ إغلاق الأضواء.. الشقة مغلقة تمامًا.. ليس لهذا كله سوى معنى واحد..

    لكنه برغم ذلك أحضر العصا الثقيلة (الشومة) وصعد في الدرج إلى الطابق الثالث.. كان المفتاح معه منذ خلت الشقة، لذا أولجه في القفل ودخل..

    بالفعل كانت مضاءة تمامًا.. تنحنح ودخل إلى الصالة وهو يزن ثقل الشومة في يده ليتأكد من صلاحيتها للقتل..

    دخان السجائر يتصاعد من غرفة الجلوس.. اتجه هناك ونظر بالداخل.. لا يوجد شيء سوى قطع الأثاث التي لم يمسّها أحد منذ شهرين.. كل شيء في الغرفة يوحي بأن أحدهم كان هنا منذ قليل.. لكنه لم يعد...

    قرأ المعوذتين، ثم اتّجه ليغلق سكين الكهرباء؛ ليقطع الكهرباء عن الشقة.. وعندما غادرها لم يستطِع إلا أن يفعل ذلك ووجهه نحوها، فلم يعطِها ظهره قط..

    لا جدوى من البحث عن تفسير.. لقد صار موقنًا من أن هذه الشقة تُخفي سرًا لا يجب الكلام عنه
    عاشقة الحزن
    عاشقة الحزن
    حارس الظلام


    عدد المساهمات : 131
    نقاط : 200
    تاريخ التسجيل : 27/02/2009
    العمر : 31
    الموقع : http://honesty.yoo7.com/

    انهم يأتون ليلا.. Empty رد: انهم يأتون ليلا..

    مُساهمة  عاشقة الحزن السبت يوليو 04, 2009 12:53 am

    نظر محمود شاكر إلى الشقة المتسعة والتي تكوّمت فيها قطع أثاث قديمة لم يعن أحد بنقلها، وسأل البواب:
    ـ "هل أنت متأكّد من السعر؟.. إنها رخيصة فعلاً.. لا يجب أن أقول هذا، لكن (الحاج) صاحب البيت ليس هنا على كل حال".

    قال البواب وهو يتحاشى عيني محمود:
    ـ "هذه مسألة أرزاق.. وأنت رجل سمح كريم، لهذا تجد هذه الفرص.."
    ـ "وماذا عن هذا الأثاث؟.. مَن صاحبه؟.. الشقة ليست مفروشة حسب العقد"

    قال البواب وهو يعدّ الأوراق المالية:
    ـ "المالك القديم لم ينقل حاجياته كلها.. هذه الأشياء لك أن تأخذها أو تتركها أو تتخلّص منها"



    ثم تذكّر شيئًا فعاد يسأل:
    ـ "قلت إنك لست متزوجًا يا بك؟"
    ـ "نعم.. أنا مقطوع من شجرة لو راق لك هذا التعبير.. لماذا تسأل؟"
    ـ "صدفة غريبة.. هذه الشقة تجذب العزاب لسبب لا أدريه.. منذ أسبوع عاينها زوج وزوجة لديهما ثلاثة أطفال.. لكن يبدو أنها لم تعجبه.."
    ـ "الأعزب لا يطلب سوى مساحات ضيّقة كما تعلم.. سوف أحضر حاجياتي اليوم أو غدًا..

    *****

    لم أكفّ لحظة عن اعتبار نفسي حيًا أرزق مثلك ومثله.. هذه شقتي.. هذا بيتي.. صحيح أن بعض المضايقات تحدث؛ مثل ذلك الصخب الذي أحدثه رجال الشرطة -وهو مشهد لم أرَه من قبل إلا في السينما- والمرات التي اقتحم فيها البواب المكان ليفتش.. فيما عدا هذا كل شيء على ما يرام..
    الآن لا أشكو الوحدة..

    إنهم يأتون ليلاً... كلنا نأتي ليلاً لنجلس ونتكلّم.. بعضهم يشرب الشاي ويُدخّن، لكني لم أسألهم قط من أين يأتون بهذه الأشياء.. كيف يمكنك شراء السجائر وأنت بهذه الحالة؟.. كيف يمكنك تشغيل جهاز كاسيت؟

    المشكلة الوحيدة هي أنهم جميعًا يبدون كما كانوا لحظة الرعب الأعظم.. يمكن أن يتوقف قلبك ذعرًا لو رأيت نظرة الهلع هذه.. لكني أقول لنفسي إنني بالتأكيد أبدو مثلهم.. من حسن الحظ أن المرايا لا تعكس صورنا.. أحيانًا يمكنك أن ترانا وأحيانًا لا، لكننا نظهر غالبًا في الكاميرا، وأعتقد أن لهذا علاقة بطول الموجات التي نعكسها..

    إنهم يأتون ليلاً.. ولكننا نتفرّق قبل الفجر..



    كل واحد منهم وحيد كذئب.. قضى أيامًا من الحيرة والقلق متسائلاً عمن يأتون ليلاً.. ثم اكتشف الحقيقة في قلب الظلام وهو وحده، ثم صار يأتي ليلاً مثلهم.. لقد صار منهم..

    كم عددنا؟.. لا أعرف.. هناك وجوه لم أرَها سوى مرة.. وهناك وجوه تأتي كل ليلة.. هناك وجوه لن تعود أبدًا.. وهناك وجوه سوف تأتي..

    القادم الجديد شاب وحيد اسمه (محمود شاكر).. أعتقد أنه شاب ظريف مهذّب.. لكني للأسف لا أستطيع نيل صداقته.. الآن..

    لقد أحضر أثاثه وحاجياته وبدأت حياة جديدة تدبّ في الشقة، يحاول أن يكون سعيدًا لكنه لن يقدر على ذلك..

    سوف يصحو ذات يوم في الثالثة صباحًا.. سوف يقف على باب غرفة الجلوس وينظر لنا ويرمش بعينيه اللتين يغشاهما النعاس.. سوف ينظر لنا فلا يرانا، لكنه يرى الفوضى المادية التي سببناها.. سيشم رائحة التبغ ويرى كوبًا مقلوبًا..

    إنه متوتر.. إنه لا يفهم.. يشكّ في سلامة قواه العقلية..

    سوف يُكرر هذا عدة ليالٍ..
    سوف يُفكر في حلول ثورية.. ربما تقع عيناه علينا عن طريق الصدفة.. ربما يلتقط صورة فوتوغرافية للغرفة الخالية فيرانا على الفيلم..

    لن يطول الأمر.. وسرعان ما يجد أنه صار واحدًا منّا ويعتاد أن يأتي ليلاً..

    لم أعد خائفًا.. لقد صرت مخيفًا!

    تمت

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 5:46 pm